الثلاثاء، 14 مارس 2023

مدخنة علي عَفْرَس

 

  اعتاد الفتى علي عَفْرَس الذهاب إلى المدرسة بدراجته النارية التي تشبهه في البدانة. كل صباح يغادر قريته عبر الطريق العام، مخلّفاً وراءه سحابة دخان على امتداد أربعة كيلومترات، وعندما يصل إلى المدرسة، يربط مدخنته الجوالة بسلسلة حديدية إلى أحد قضبان نافذة الفصل القريبة من الأرض.


  كان أكبر زملائه سنّاً وحجماً؛ جسم طويل عريض، ووجه يحتفظ بدائرتين حمراوين على جانبي أنفه المقوّس، ولم يعرف من المقررات الدراسية غير ما يلتقطه ذهنه غير المنسجم مع الكتب المدرسية ولهجات المدرّسين المصريين والسودانيين. ولأنه اكتسب لقب "أغبى طالب في الصف"، أطلق العنان لذهنه المتعلّق بالفلاحة كي يعيد تركيب ما يلتقطه من الدروس وشروح المدرّسين، بطريقة لامبالية وساخرة، ومضحكة غالباً. ذات مرة سأله مدرس التربية الإسلامية: "على من أنزل القرآن يا علي؟" فأجاب بلا تردّد: "على سيدنا أبو جهل يا أستاذ"، وفجّر قهقهة جهورية انتزعت قهقهات كل طلاب الصف، بمن فيهم الطالبتين الوحيدتين.

  في ذلك اليوم، أخرج مدرس التربية الإسلامية عصاه من حقيبته، وهوى بها عشر مرات على راحتَي علي حتى كاد الدم أن ينبجس من وجنتيه، ثم طرده من الحصة دافعاً وراءه الباب بقوة وأغلقه من الداخل. خرج وهو يشتم المدرس بكلمات نابية بلهجة القرى المستكينة على التلال والجبال المشرفة على السهول الخصبة. لم يتجرأ أحد من الطلاب على ترجمة الشتائم للأستاذ الغاضب، ومضى علي نحو درّاجته بخطوات جمَل. لا أحد يعلم أي شيطان ألهمه عندما قرر أن ينفّذ انتقامه الأخير من الأستاذ ومن الطلاب الذين تهامسوا ضاحكين أثناء تلقّيه ضربات العصا الملفوف بلاصق أسود. وجّه عادم الدراجة إلى النافذة، وأمسك مقبض البنزين وأداره إلى حدّه الأقصى عشر مرات قبل أن ينطلق بأقصى سرعة نحو الطريق الرئيسي، مغادراً المدرسة إلى الأبد.

   أصيب الطلاب باختناق وأغمي على الطالبتين الوحيدتين في الصف، وأرسل مدير المدرسة استدعاءً مكتوباً لوالد علي مع أحد الطلاب من قريته. في اليوم التالي شكى الأب للمدير وأساتذة الصف الخامس من غباء ابنه ونفوره من الدراسة، لكنه وعد بأنه سيشبعه ضرباً ويحضره بنفسه إلى المدرسة. لكن عليّ تغيّب أسبوعاً كاملاً عن البيت، ولم يدخله إلّا بعد أن قام بالكثير من الواجبات الزراعية في حقول أبيه، وعندما كبر اشترى سيارة "هايلوكس" بمدخنة أكثر كفاءة.