الخميس، 16 ديسمبر 2010

الموت القادم من "القصيم"


بعض المعتقلين فيه مصابون بارتجاجات في المخ وانزلاقات في العمود الفقري

لطف الصراري
لم يعتقلوا في مواقع خاصة بتنظيم القاعدة ولم تضبط بحوزتهم متفجرات وأسلحة ومخططات لهجمات إرهابية، هم ببساطة عمال يمنيون يسعون وراء لقمة العيش في المملكة العربية السعودية، شقيقتنا التي لا تكف عن إيذائنا قيادةً وشعباً. هؤلاء الساعون وراء لقمة العيش في المملكة معرضون أكثر من غيرهم لتنكيل أجهزة الامن السعودية؛ بدءاً بالاعتقال المبني على أساس الاشتباه بعلاقتهم بتنظيم القاعدة وانتهاءً بالموت في زنازين سجن القصيم- الأشهر بالنسبة للعمال اليمنيين بعد (جوانتانامو) بالنسبة للجهاديين.
   تفيد معلومات رصدتها اللجنة الوطنية للدفاع عن المعتقلين اليمنيين في السجون السعودية أن عدد المعتقلين بلا تهمة أو محاكمة يقدر بالمئات، لكن إحصائيات بعض المنظمات الحقوقية في اليمن تقدرهم بأكثر من 5000 معتقل، والأسبوع الفائت أفادت اللجنة أن 120 معتقلاً هو الرقم الذي تستطيع تأكيده ببيانات جمعتها خلال 3 أشهر. غالبية هؤلاء المعتقلين اعتقلوا في الفترة بين الأعوام 2006 و2009، وأودعوا في سجون مختلفة كالحائر وعليشة في الرياض وذهبان في جدة، وينتهي بهم المطاف في سجن القصيم بمدينة بريدة. هذا السجن الذي صار سيء الصيت لدى كل نزلائه، تسبب بمآسٍ عابرة للحدود؛ سلطان الدعيس الذي توفي الأربعاء قبل الماضي (1 ديسمبر 2010) لأسباب لا تزال غامضة، ليس الحالة الوحيدة. لقد سبقه سالم عبود باحنيف في سبتمبر 2009، ومن يدري، ربما لا يزال العشرات بانتظار حتفهم وراء قضبان "القصيم".

  خبر وفاة سلطان لم يبلغ إلى أسرته في اليمن سوى بعد يومين من وفاته، وحسب المعلومات التي أوردها مختار الرحبي- الناطق الرسمي باسم اللجنة الوطنية للدفاع عن المعتقلين، فقد تلقى أخو سلطان اتصالاً من المخابرات السعودية لإقناعه بدفن سلطان في السعودية بعد الصلاة عليه في الحرم. كان مبرر المتصل أن دفن سلطان في الأراضي السعودية خشية أن تصاب أمه بسوء عند مشاهدة ابنها. ويوم الاثنين الفائت (6 ديسمبر) تلقت الأسرة اتصالاً من السفيرالسعودي بصنعاء، في محاولة أخرى لإقناعها بالأمر.
  لكن أم سلطان وإخوته رفضوا دفنه هناك حتى إذا كانوا سيصلون عليه في الحرم. وتضيف المعلومات إن سلطان أجرى اتصالاً بوالدته قبل شهور من وفاته وأوصى بدفنه إلى جوار أبيه بمحافظة إب. السؤال هنا: لماذا يوصي شاب في بداية الثلاثينات من عمره بمكان دفنه؟ مؤكّد أن سلطان كان معتلّ الصحة جراء البقاء في سجن لا تتوفر فيه شروط الحياة الإنسانية إن لم يكن جراء التعذيب، رغم أن أخاه شاهد عليه آثار تعذيب عندما زاره في يوليو 2009، عندما سمحت السلطات السعودية بزيارته لأول مرة بعد الاعتقال. تعرف أم سلطان وإخوته أسماء بعض من عذبوه في بداية اعتقاله، ومن الجيد أن تعرف السلطات العليا في المملكة أسماء هؤلاء المتوحشين. كما من الضروري أن نستمر هنا بسرد قصة هذا المعتقل الذي صار الآن جثة مسجاة في ثلاجة موتى خارج حدود بلاده.
  دخل سلطان للعمل في السعودية في العام 2004، وبدايةً عمل في بيع المواد الغذائية ثم في محل إصلاح الهواتف المحمولة في الرياض. لكنه مع مطلع العام 2007 اعتقل بدون مذكرة اعتقال للاشتباه في كونه سافر إلى أفغانستان والعراق، رغم ان أوراقه الثبوتية تنفي ذلك. أُودع سجن الحائر لمدة سنة، وهناك تعرض للتعذيب بإطفاء السجائر على جسمه وقلع أظافر يده، ثم نقل إلى القصيم، وهناك فارق الحياة بعد 3 سنوات. سبق لسلطان أن فقد الوعي لأسبوع كامل جراء التعذيب- حسب معلومات عن أسرته.
  لسلطان ولدان وبنت لن يتربوا في عزه، و أمٌّ مكلومة وزوجة ثكلى، ولديه إخوته المقهورون بوفاة أخيهم بعد 4 سنوات في السجن بلا تهمة، ولديه قبران أحدهما جهزته سلطات المملكة في أرضها والآخر يجهزه أهله في اليمن. ها نحن نقول اليمن، لنتذكر فجأة أن لدى سلطان بلدُ وهوية، لكنه بلد لم يتكفل بحمايته حياً وميتاً. يالها من مهزلة أن تتحرك سلطات المملكة على أرفع مستوياتها لإقناع أسرته بدفنه في السعودية ولا تحرّك اليمن ساكناً حتى على مستوى نواب البرلمان عن محافظة إب التي ينتمي إليها.
  إلى سلطان، توفرت الجمعة الماضية على 7 حالات لسجناء في "مقصلة" القصيم، غالبيتهم من محافظة إب؛ محمد قاسم الورافي (30 عاماً) عامل براتب 2000 ر.س، كان يقيم في الرياض بصورة شرعية، وتفاجأ في 24 أغسطس 2006 برجال المباحث السعودية يعتقلونه إلى سجن الحائر قبل أن يرحّلوه إلى القصيم. قبل أن يسافر للمرة الأخيرة إلى السعودية احتفل بعقد قرانه، لكن عروسه لا تزال تنتظر أن يعود إليها كي يحتفلا بالفرحة الكبرى/الزفاف. تتشابه حالة الورافي مع حالة سجين آخر هو شفيق محمد عبدالله الأقرم؛ كلاهما عروسه تنتظر الفرحة الكبرى، مع فارق أن الأول يعاني من حالة نفسية جراء التعذيب والثاني يعاني من ارتجاج في المخّ. هذا ما يفعله سجن القصيم أيها السادة، لا تأمنوا على اولادكم في الأراضي المقدسة.
  محمد يحيى المجيدي، فيصل أحمد محسن، محمد عبدالله الحرازي: ثلاثتهم يعانون من حالات نفسية، وهم آباء لأطفال ينتظرون عودتهم. هل يمكن السؤال عن تصوركم لأطفال ينتظرون آباءهم؟ كيف الحال بمعيشتهم وظروفهم اليومية! بقيت حالتان فقط في الأوراق أمامي: عادل محمد الهمداني وفؤاد يحيى السمحي.
  مأساة عادل بدات في الحدود بين المملكة واليمن عشية السابع من يونيو 2008. كان عائداً من زيارة لبناته الثلاث وزوجته في منطقة الظهار بمدينة إب، لكن رجال المباحث السعودية اعتقلوه فور وصوله المنفذ الحدودي وأودعوه سجن مباحث جيزان. من جيزان إلى "الحائر"، ومنه إلى "القصيم" الذي لا يحتار حرّاسه في ممارسة التعذيب والتعامل اللاإنساني مع السجناء. يعاني عادل الآن من انزلاق في العمود الفقري والتهابات مزمنة في الكلى، وكغيره من السجناء- اليمنيين تحديداً- لا يتلقى رعاية طبية حسبما تستدعي حالته.
   فؤاد السمحي (37) عاماً مولود في الرياض ويعمل فيها، يعول أمه وزوجتيه وأربعة أطفال. تفاجأ برجال المباحث يقتحمون منزله ليلاً في 11 أغسطس 2009 بدون مذكرة اعتقال. من سجن "عليشة" إلى "الحائر" إلى القصيم. ومثل زملائه شغّيلة (أبو يمن): بلا تهمة ولا محاكمة، ولا سماح بتعيين محام. إنهم رعايا بلا راعٍ ومذنبون بلا جرائم مثبتة.

مناشدات ولجنة دفاع محفوفة بالشوك:
جميع السجناء المذكورين هنا اعتقلوا بلا مذكرة اعتقال، وجميعهم رفع ذووهم مناشدات إلى سمو الأمير محمد بن نائف، السفارة اليمنية في الرياض، وزارتي الخارجية والداخلية اليمنية، الأمن القومي اليمني، المن السياسي اليمني وسفارة المملكة العربية السعودية في صنعاء. لكن المناشدات لا تجد آذاناً صاغية، ولا ضمائر تستشعر مسئوليتها إزاء رعاياها.
   في منتصف أكتوبر 2010 شكلت مجموعة من المنظمات الحقوقية لجنة  وطنية للدفاع عن هؤلاء المعتقلين، وفي أواخر الشهر ذاته، وجهت اللجنة مذكرة إلى السفارة السعودية بصنعاء وإلى الخارجية اليمنية وإلى رئاسة الجمهورية أيضاً، طالبت فيها بالنظر في وضع السجناء الذين لم تثبت إدانتهم بتهم واضحة وفق القوانين السعودية النافذة، والإفراج عنهم، لكن أيّ من تلك الجهات لم تستجب، وتعاني هذه اللجنة صعوبات جمّة في الحصول على معلومات عن هؤلاء السجناء. سألت الناطق الرسمي باسم هذه اللجنة-مختار الرجبي عما إذا كان قد حاول الدخول إلى المملكة وزيارة السجناء، فأجاب بالنفي، لكنه قال بأنه سيتقدم بطلب إلى السفارة السعودية في صنعاء بهذا الشأن في إطار عمل اللجنة، وتساءل عما إذا كان بمقدور السفير السعودي بصنعاء ان ينفي ما يتعرض له المعتقلون اليمنيون في سجون المملكة!.
   جميعنا ندرك حساسية الوضع بالنسبة لمن تعتقلهم السعودية بتهم الانتماء إلى تنظيم القاعدة، لكن بقاء هؤلاء العمّال في معتقل سياسي بلا محاكمات أو سماح بتوكيل محامين للترافع عنهم أمر بالغ الخطورة على حياة السجناء، وإهدارٌ لحقهم في الحياة الطبيعية.

بشاعة سجن القصيم:
  ليس المعتقلون اليمنيون فقط من يعانون بشاعة هذا السجن وويلاته. هناك سعوديون أيضاً. ففي أغسطس 2008 اعتصمت عشرات النساء من امهات وزوجات معتقلين سعوديين في "القصيم"، وحسب بيان الاعتصام ذاك، فإن أكثر من عشرة أشكال من التعذيب تمارس هناك ضد المعتقلين منها: (الضرب المبرح والتجويع والحرمان من النوم حتى وقت متأخر من الليل ومنعهم من النوم بعد الرابعة فجراً- الدخول عليهم عند قضاء الحاجة- ربط أرجلهم وأيديهم وزحلقتهم على السيراميك والضحك عليهم- ادخال رؤوسهم في حاوية النفايات، واجبارهم على قول إهانات لأنفسهم- استخدام العصي الكهربائية- تصويرهم أثناء تعذيبهم).
التهم الواهية التي وُجّهت إلى المعتقلين اليمنيين أثناء اعتقالهم، لا تزال تّردّد على ألسن حراس سجن القصيم كلما أقدموا على تعذيب ضحاياهم. غالبيتهم العظمى معتقلون بسبب معرفتهم بأشخاص مشتبهين بانتمائهم لتنظيم القاعدة. لقد اعتقل محمد الورافي في الرياض لأنه سلّم على إمام مسجد. ينبغي على اليمن ان تفعل شيئاً إذا في مقابل كل هذا "الصلف". فهناك المئات من الضحايا في طريقهم إلى الموت.