دائماً ينحرف مسار المصالحة

لطف الصراري
"المصالحة الوطنية" تحول مسارها من مصالحة بين ضحايا جرائم الصراعات ومرتكبيها، إلى مصالحة بين أطراف الصراع ذاتها. الآن ستجري المفاوضات على ضمان أكبر قدر من المصالح الخاصة.
هذه هي اليمن منذ الأزل، وأشك في أنها ستحظى حتى على المدى البعيد، بقيادة وطنية خالصة، بلا أطراف أو زوائد من أي نوع.
في أفضل الأحوال، سوف يتصالحون، ويقبل أحدهم رأس الآخر، في مقيل مغلق، مع الكثير من الاقتباسات القرآنية، والأمثال الشعبية التي تمتدح التآخي، ونسيان "الماضي البغيض".
الأهم من ذلك، لن يغادر أحدهم الجلسة الأخيرة للمصالحة، إلا بعد إقرار تاريخي بدوره النضالي وتضحياته "في سبيل الوطن"؛ لديهم قوائم مليئة بأسماء الشهداء والجرحى، ونصب أعينهم مستقبل يجب أن يحجزوا فيه مكاناً بالكثير من الامتيازات اللائقة بمناضلين وأبناء مناضلين.
أما الضحايا، وهي التسمية التي صارت مقتصرة على القتلى فقط، هؤلاء، أكثر ما يحصلون عليه هو اعتبارهم "شهداء"، وهو لقب اعتباري لن يشبع جوع أسرة تركها عائل يئس من إذلال الحياة، وذهب إلى أقرب جبهة قتال، متحمساً لوضع حد للمهانة. قد ينجح في الهروب من الحياة، وقد يعود جريحاً، ويقضي بقية عمره مقعداً بمهانة أكبر.
طالما عشنا محكومين بالموت في أزمنة الحروب، وبحياة مهينة في فترات استراحة المحاربين. لم نحظَ بأيادٍ متشابكة تبني دولة مواطنة متساوية وحياة كريمة. لدينا أيدٍ تتكالب على مقدرات الدولة عقب كل ثورة أو دورة عنف.
"أيدي سبأ" لم تتحد مرة أخرى. لذلك، لا تسألوا عن "الدولة" التي سئمنا من الحلم بها، لأنها ستظل مثقلة، إلى الأبد، بأفضال "الأدوار النضالية" لزعماء الحروب. هؤلاء هم من يتداولون على سدة الحكم منذ الأزل، ولن يقبلوا وافداً جديداً على السلطة، إلا إذا كان خالياً من أي مشروع وطني. وكما عبر دبلوماسي روسي في أواخر عشرينيات القرن الـ20: لديهم طريقة عجيبة، وتنطوي على وقاحة هائلة في مرادفة مصالحهم الشخصية مع مصالح الوطن.
على من نراهن إذن؟ وهل بإمكان الرئيس هادي أن ينجز تحولاً تاريخياً في فصل المصلحة الوطنية عن مصالح القوى النافذة؟
صحيح أن بناء الدولة واستقرارها يحتاج إلى مصالحة شاملة بين جميع أطراف الصراع، لكنه يحتاج قبل ذلك لإعادة تعريف مفهوم المصلحة الوطنية؛ بحيث لا يعود بمقدور أحد أن يزايد باسم الوطن وحراسة مكتسباته ومصالحه.
من ناحية أخرى، لماذا ينحرف مسار المصالحة اليمنية دائماً؟ كانت أولوية المصالحة لضحايا جرائم الصراع، والآن تم توجيهها إلى القمة؛ بين أطراف الصراع ذاتها. هذا لا يخدم إعادة تعريف مفهوم المصلحة الوطنية الذي يجب ألا يظل عائماً أكثر مما هو عليه، وإلى حين يتحدد بتعريف صارم، يمكن للمصالحة الوطنية أن تكون ذات جدوى.
(صحيفة الأولى- 22 يوليو 2014)