أين "حصانة" المستقبل؟

لطف الصراري تطورات الوضع السياسي والأمني هذه الأيام باهظة جداً، كلفتها التدميرية ستقضي على كل بصيص أمل في مستقبل مستقر لليمن. حزب المؤتمر الشعبي استنفر معتمداً على طريقة الرئيس السابق، والقضية الجنوبية متعثرة بين المصالح المتعارضة لقوى الشمال والصراع الجنوبي على حق تمثيل الجنوب. أما حزب الإصلاح، فقد أدار مجدداً اسطوانته المشروخة: "إسقاط الحصانة"؛ عاد من واجهة الثورة إلى خلفيتها متمترساً بالشهداء؛ شهداء مجزرة كنتاكي تحديداً. لماذا كنتاكي فقط؟ المعنى في بطن الإصلاح أو في ضميره المستتر على الأرجح. إذا كنا بصدد الحديث عن رموز مكانية سالت فيها دماء الشهداء والجرحى بغزارة، فلدينا مثلاً، جمعة الكرامة بصنعاء ومحرقة ساحة الحرية بتعز وجمعة كريتر الدامية في عدن. لكن ذلك ليس مهماً الآن؛ الإصلاح يناور فقط، فاهدؤوا يا جماهير شعبنا العظيم.

 كان الخلاف منحصراً في رؤية لجنة الـ"16" بمؤتمر الحوار بشأن القضية الجنوبية، وشكل الدولة، ثم قفز إلى كنتاكي، وتصاعد حتى وصل إلى قناتي سهيل واليمن اليوم، وملحقاتهما. تبادل هذان الطرفان فقط، الاتهامات بشأن عرقلة الحوار الوطني، وتكاثف الاعتداء على أنبوب النفط وغرقت المدن في الظلام. وفي الحقيقة، فإن الناس يربطون كثيراً بين الانسداد السياسي عندما يتزامن مع انقطاع الكهرباء وتزايد مظاهر السلاح وأحداث العنف. لا يحتاجون لمن يربط لهم الأحداث كما لا يقتنعون بغير ما يربطونه بأنفسهم، سيما في ظل تبادل الاتهامات وإخفاء المعلومة. إنهم يشتمون كل من يبدي تفاؤله بالمستقبل، ولديهم ميول عدوانية أظنها متأثرة بضنك الحياة وسلوك القادة في بلاد محكومة بالحروب والثورات غير المكتملة والتوافقات الهشة على دماء الشهداء وثروات البلاد.
 لقد نسي حزب الإصلاح شهداء الثورة عندما كان قادته في القصر الملكي بالرياض يوم 23 نوفمبر 2011، وبالمثل، يوم 21 يناير 2012 في البرلمان. ربما كانت دموع باسندوة في هذا اليوم أكثر صدقاً من ضمير حزب الإصلاح الذي يصحو فجأة كلما قال علي عبدالله صالح: مازلت هنا. نعرف أن صالح كابوس مزمن بالنسبة لأحلام اليمنين، ويمكن أن يصحو مواطن مذعوراً من كابوس رئيسه السابق وقد كشر عن أنيابه في طريق العودة إلى الحكم. لكن أن يصحو حزب سياسي كبير، مفزوعاً من خصمه وحليفه الأزلي معاً، مردداً: "إسقاط الحصانة"! هذا أمر محيّر فعلاً. إذ أن من المستحيل القبول بعودة صالح للحكم، وإلاّ كيف سنثق بأن المستقبل الذي يتحدث عنه الرئيس هادي وبن عمر والمجتمع الدولي، سيكون مزدهراً بالفعل، أو أن الحوار اليمني "أنموذجاً يحتذى به"؟
 لم أكن مؤيداً لمنح الرئيس السابق ورموز نظامه المتورطين بالقتل والفساد، حصانة من الملاحقة القضائية، لكن الثورة لم تتمكن من خلع صالح بالتصعيد الثوري، وأتذكر الآن تصريحات قيادات في أحزاب اللقاء المشترك، لإقناع الساحات بلا جدوى "التصعيد الثوري"، والترويج للمبادرة الخليجية كعصا سحرية لحقن دماء اليمنيين، وتجنيبهم حرباً أهلية. ثم إن شمولية الحصانة مازالت موضع جدل بشأن من عمل مع نظام صالح ومازال، ومن قفز إلى واجهة الثورة مبكراً ومازال. لا يبدو الإصلاح مطمئناً لهجعة صالح المؤقتة من واجهة حزبه، كما لا يبدو أن حزب المؤتمر الشعبي مقتنع بأن أداءه كان متسقاً خلال الفترة الماضية عبر مؤتمر الحوار، وبعيداً عن فرقة الارتجال السياسي التي أحاطت بصالح طويلاً حتى أطاحت به. حفيظته التي ثارت مؤخراً لأجل الوحدة بشكل مبالغ به، والاحتجاج الغوغائي لأعضائه في آخر يوم من مؤتمر الحوار، ذكّر الناس بحزب الرجل الواحد، الذي خرجت ضد حكمه حشود الشعب منذ 2007 في الجنوب وصولاً إلى 2011 في الشمال. أتحدث عن علي عبدالله صالح الذي كان يحكم اليمن بتحالفات النفوذ وليس بمبادئ وهرمية الحزب الحاكم، عن صاحب الدور الكبير في توحيد يمنين كدولة واحدة، والدور الأكبر في تفكيك شعب دولة الوحدة. بالتأكيد لم يكن وحده من فعل ذلك، كان لديه نظام متعدد القوى عملت معه أكثر من نصفها بطريقة مواربة غالباً، وهي الطريقة التي ساعدتها في التنطط على موجة الثورة ودماء شهدائها، بمجاديف هجينة؛ نصفها موروث من حقبة صالح ونصفها مستورد.
 لم نسمع قيادات الحزب الاشتراكي ولا الناصري ولا بقية أحزاب المشترك يطالبون بإسقاط الحصانة. أعتقد أنهم يفهمون معنى اختيار الورقة الأنسب للمناورة السياسية وتوقيتها. أتمنى أن يتمكنوا من تهدئة شريكهم المتنمر، وأن يقرصوا سواعد عقلاء الطرفين لتنبيههم أن ما يفعلونه لا يمت للسياسة ولا للعقل بصلة. (صحيفة الأولى- 23 سبتمبر 2013)