انتهاك داخلي لسيادة الدولة

لطف الصراري
يريد عبدالملك الحوثي من الدولة أن تتعاون مع مسلحيه لمزيد من السيطرة الأمنية على العاصمة.
حسناً يا سيد عبدالملك: الدولة بكل مؤسساتها الأمنية والمدنية وصولاً إلى الرئاسة، ستظل "جنباً إلى جنب اللجان الشعبية". هي كذلك أصلاً قبل أن تأتي ميليشياتك لإسقاط صنعاء ونهب سلاح الدولة.
اعتقدنا أنكم أذكياء حين حصرتم هدف الاقتحام المسلح للعاصمة في علي محسن والزنداني وحميد الأحمر كخصم قبلي. كان حزب الإصلاح ذكياً أيضاً في استجابته لتحييد قياداته ونشطائه من قائمة الخصوم. لكنكم اقتحمتم بيوت محمد قحطان ومرشد العرشاني وتوكل كرمان وغيرهم من قيادات حزب الإصلاح، ووصلت بكم الفجاجة إلى اقتحام ونهب قناة سهيل.
أجهد علي البخيتي نفسه في محاولة احتواء ما أقدم عليه مسلحو الجماعة من اقتحام للمنازل، وتطييب خواطر المتضررين، وها أنتم تخذلونه، وتضمونه إلى قائمة المقهورين. أية رسالة يمكن أن تصل إلينا من قهركم لأحد أكثر وجوهكم المدنية تفانياً في إزالة مخاوف الناس من السطوة الانتقامية للجماعة.
لا تبرروا الاعتداء على "سهيل" ونهب معداتها بكونها مملوكة لحميد الأحمر. فهي قناة إعلامية نختلف مع أدائها وطريقة تقديمها للوقائع، وما إلى ذلك من أوجه الاختلاف، لكنها في نهاية المطاف وسيلة إعلامية لا يجوز بأي حال إغلاقها ونهب معداتها. وإذا كنا قد أدنّا اقتحام ومصادرة معدات قناة "اليمن اليوم" وإغلاقها بتوجيهات من رئيس الدولة، فما بالكم بأن تغلق قناة أهلية أو حزبية أخرى من قبل جماعة مسلحة؟
لقد هاجمتم التلفزيون الرسمي وأغلقتموه، تحت مبرر تدمير دبابات "الفرقة الأولى" التي كانت تهاجم مواقعكم من تل التلفزيون، وعندما صعدتم التل، أوقفتم البث، وأظهرتم الأمر كانقلاب وقوات علي محسن حامية للنظام.
حسناً يا سيد عبدالملك: لم يكن علي محسن ممثلاً حصرياً للدولة، لكن الدولة التي تسيطر عليها الآن، ستظل "جنباً إلى جنب" من تسميهم اللجان الشعبية؛ لجانك ستحمي أمن المواطنين ومقرات الأحزاب ووسائل الإعلام والشركات التجارية، و"كل ذرات رمال" الوطن. من غير "اللجان الشعبية" سيحمينا ويمتهن كرامتنا عشرات المرات قبل وصولنا إلى بيوتنا أو مقرات أعمالنا؟ من غيرها سيحقن الآخر المختلف معكم بالقهر ويدفعه لنفض المذلة بما يتوفر عليه من قوة وإن كانت النتيجة هلاك البلاد؟ هل تريدون أن تسيروا على خطى المالكي؟ لقد قلت للتو في خطابك (الأخير) إنكم لن تقصوا أحداً، ولن تسمحوا بتكرار الاستئثار بالسلطة والثروة الوطنية. قد يكون هذا مطمئناً في حال لم يرتكب مقاتلوك ما ارتكبوه من انتهاكات بحق المدنيين والسياسيين في العاصمة، في حال لم تتجاهلوا آراء نشطائكم المدنيين، الذين طالما أسعفتكم رؤاهم في تلافي الوقوع في منزلقات عدة. وها أنت تطل علينا لتدعو مؤسسات الدولة وسكان العاصمة لإفساح المجال أمام مقاتليك. تدعو الدولة بجيشها وأجهزتها الأمنية للتعاون مع تشكيل شعبي مسلح! هل تدرك ما هو انتهاك سيادة الدولة؟ ما تدعو إليه وما يفعله مقاتلوك هو أحد تعريفات انتهاك السيادة. أضف إلى ذلك انتهاك كرامة الإنسان برهن أمنه واستقراره ونظام حياته لميليشيا يجري إحلالها محل الدولة.
اقترح البخيتي وربما آخرون من نشطائكم المدنيين، إضافة "انتصار أخلاقي" لانتصاركم المسلح، فتجاهلتموه، مرتكنين على غلبة السلاح المنهوب من معسكرات الدولة. الدولة التي سلمت لكم كل شيء لاعتبارات محلية ودولية، فاستغللتم ضعفها بنهب ما تبقى من مقدراتها لبناء مركز التحكم الجديد في شمال الشمال.
حسناً يا سيد عبدالملك:
هل تعتقد أن جماعتك كانت لتصل إلى صنعاء لو أن الرئيس الحالي والرئيس السابق والأحزاب السياسية، لم يتخلوا عن علي محسن وحميد الأحمر وعبدالمجيد الزنداني؟ ثم ها أنت تحذر من الانتهازيين والمتربصين بثورة الشعب! هل تعتقد أن نفيك لنزعة الانتقام والإقصاء قادر على لجم انتقام أنصارك الذين يتجولون في العاصمة محتقنين بما طالهم من الأذى في السابق؟
إذا كنت جاداً في حديثك عن محاربة قوى الفساد وإحلال الأمن، وإحداث تغيير ملموس في اقتصاد البلاد، والتخلي عن الانتقام؛ فعليك أن ترفع نقاط التفتيش من شوارع العاصمة وغيرها من المدن التي سيطرتم عليها، عليك أن تبدأ بخطوات الاندماج في الدولة، وصهر مشروعك "الثوري" في إطار دولة وطنية وليس في مجرد حكومة "شراكة". يمكنك البقاء في موقع الرقابة الشعبية على أداء الحكومة، لكن قيامك بدور الدولة سيجلب المتنافسين على الدور نفسه، وستطحنون اليمن أرضاً وإنساناً.
لقد أنهكنا البحث عن وطن مستقر منذ وعينا على الدنيا، نريد مواطنة غير مدعومة بنفوذ أحد غير الدولة.

(صحيفة الأولى 23 سبتمبر 2014)