غباء دبلوماسي لا يحتمل

لطف الصراري
لم أجد دبلوماسية بغباء تلك التي لدى محمود حسن زاده، سفير إيران لدى اليمن. إذ ليس من الذكاء الدبلوماسي أن يتهكم على اليمن في الوقت الذي تمرّ علاقة البلدين في توتر غير مسبوق.
 لم أكن أريد التورط في مقارنة بين غباء دبلوماسية زاده، والفجاجة التي تتسم بها تصريحات السفير الأمريكي جيرالد فايرستاين. غير أن هذا ما هو حاصل؛ الدولتان اللتان تتصارعان على الصدارة العالمية، لديهما سفيران لدى اليمن أحدهما غبي والآخر فجّ، رغم أن لديه ما يقوله، وفي كل مرة يتحدث فيها لوسائل الإعلام يطبق المثل القائل: "امشي أعوج واتكلم ساني".

قال زاده إن علاقة إيران واليمن حالياً لا ترقى إلى مستوى العلاقات التاريخية. لماذا والحال هكذا يا سيد محمود، تخرج على اليمنيين بتصريحات كهذه: "ماذا تريد إيران من اليمن لتتجسس عليه، هل على المفاعل النووي أم على اقتصاد اليمن أم على معسكراته؟" هل هذه تصريحات دبلوماسي يحرص على تحسين العلاقة مع اليمن لترقى إلى مستوى "العلاقات التاريخية"؟ ثم ماذا قدمت إيران لليمن غير الريبة ومخاوف عدم الاستقرار، وماهي مصالح إيران في اليمن؟ نريد أن نعرف.
تتصارع طهران وواشنطن في اليمن. نعرف هذا من طبيعة الاهتمام بشؤون اليمن، سيما مؤخرا،ً إلى درجة الوصاية الأمريكية والغيرة الإيرانية على "المسلمين". لكن الأمريكيين لا يتحرّجون على الأقل من التصريح بأن لديهم مصالح في اليمن، ويظهرون حرصهم على أن تكون العلاقة جيدة مع صنعاء. حتى إنهم يبالغون في إظهار حبهم للشعب اليمني الذي يستهدفونه بطائراتهم بدون طيار بذريعة مكافحة الإرهاب. لدى الأمريكيين طرق لا نحبها في الاحتيال على المنطق، مثلما لديهم شجاعة في الاعتراف بالخطأ. لا أبرر للأمريكيين مراوغتهم، وليس هذا موضوعنا عموماً. الموضوع هو تصريحك المستهتر وغير المسؤول يا سيد محمود.
نعرف أن اليمن ليس لديه مفاعل نووي كالذي تحتضنه مدينة بوشهر، وليس لديه معسكرات وطنية، ولا اقتصاد قادر على إنقاذ ربع مليون طفل مهددين بالموت بسبب سوء التغذية. كما نعرف أن أكثر ما يهمكم في اليمن هو الأقلية الشيعية التي تعرضت لاضطهاد مذهبي بسبب تعثرنا التاريخي بأنظمة سياسية تدير البلاد بالصراعات. كلنا اتخذنا موقفاً من ذلك الاضطهاد إلى أن أظهر الحوثيون استبسالاً منقطع النظير في التخندق داخل المذهبية، والانجرار نحو الصراع الطائفي المقيت بكل فخر.
يرغب اليمنيون الآن بالتعافي من أمراض الإمامة والاستبداد الديني والقبلي، وآمل أن ينجح استفزاز السفير الإيراني مع حكومة الوفاق والرئيس عبد ربه منصور، وعلي محسن الأحمر وحميد الأحمر، وحزب الإصلاح وحزب المؤتمر الشعبي... أن ينجح هذا الاستفزاز في نقطة واحدة فقط على الأقل؛ هي الاقتصاد. نتوق للانعتاق من الوصاية الخارجية على البلاد التي نعيش فيها ونحمل جنسيتها في جوازاتنا. أقول نحمل جنسيتها في جوازاتنا، وأنا أستحضر موقفي غير المتفق مع المبالغة في تأكيد الانتماء الوطني. إنه ما يسميه جيل دولوز "المغادرة الموطنية"، وخط الهروب المستمر بالنسبة للكاتب غير المكترث لخذلاناته إزاء هويته الجمعية. لكن هذا أيضاً ليس موضوعنا يا سيد محمود زاده.
لقد خانتك حكمة الدبلوماسي حتى إذا كنت قد حاولت إيقاف تدهور علاقة بلادك ببلد ليس لديه شيء ليخسره، لكنه مهم وحسب. ليس لدى اليمن شيء يغري بالتجسس عليه، كما أن شعبه لا يحب من يذكّره بذلك عبر تصريح لا يحتمل غباؤه كهذا.


(صحيفة الأولى- 7 يناير 2013)