طريق الحوثي

لطف الصراري
عملياً، لم يكن الحوثي بحاجة لمحاصرة صنعاء لكي يدخلها، فها هو يجد المبرر لدخولها، ومن بوابتها الشمالية، بشعارات لديها قدرة على الحشد والتأييد:
شعار "إسقاط الجرعة" التي قصمت ظهور اليمنيين...
شعار "إسقاط الحكومة"، وهو مطلب لا تعارضه الكثير من القوى السياسية، عدا "الإصلاح" طبعاً..
وشعار "تنفيذ مخرجات الحوار"، وهو ما يريده الرئيس هادي والمجتمع الدولي والأمم المتحدة.
وعملياً أيضاً، وهذا هو الأهم: الحوثي حاصر الرئيس هادي والقوى السياسية والمجتمع الدولي، بمطالب يريدها الشعب والدولة والمجتمع الدولي.
ما الذي في رأس الحوثي غير هذه المطالب؟ هذا أمر آخر، ولا يتضح بمجرد استبطان هاشمية الحوثي من زاوية أيديولوجية أو طائفية خائفة على هويتها.
أعتقد أن تحركات الحوثي، من صعدة إلى عمران، ومؤخراً إلى العاصمة، تشير في المجمل إلى أن هدفه القريب هو تغيير ميزان القوة التي عادة ما كانت تقف خلف تعيين الرؤساء، وممسكة بزمام "القرار السياسي" والسيادي للدولة. شيء من هذا القبيل تضمنه خطاب عبدالملك الحوثي، مساء الخميس وعصر الجمعة- أمس.
من دواعم هذا الاحتمال، اختياره الجراف -الحصبة، منطقة اعتصام لما سماها "المرحلة الثانية من التصعيد". فحديقة الثورة على مرمى حجر من منزل الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر، الذي ظل متحكماً بميزان القوة الضاغطة على الدولة منذ ما بعد ثورة سبتمبر 62.
دور القوة الضاغطة على الدولة انفلت من يد أولاد الشيخ عبدالله بن حسين، بعد موته. لعله بدأ بالانفلات منذ أن حاولوا تشديد الخناق على الرئيس السابق، متكئين على ميراث القوة التي صار لديها المال أيضاً، ثم على ثورة 11 فبراير 2011. قاوموا "الحرس الجمهوري" في حرب الحصبة بكل ما لديهم من قوة، واعتذر الشيخ صادق عن مشاركتهم في حروب صعدة التي قال إن صالح هو من كان يحرضهم لخوضها.
لم يتطلب الأمر الكثير من الوقت لنعرف أن صالح كان فقط يحرك قوات الجيش بقيادة اللواء علي محسن، لقتال الحوثيين في صعدة، بناءً على طلب تلك القوة الضاغطة التي كان يديرها الشيخ عبدالله، وفق تقديرات لموازين القوى في عموم البلاد.
في دماج، قاتل الحوثيون السلفيين، وهجروهم من المنطقة بلا رادع، وفي عمران، قاتلوا أولاد الشيخ الأحمر، وهجروهم أيضاً، غير آبهين لإذلال "عزيز قوم". وها هي تحركاتهم باتجاه العاصمة، تشير إلى أنهم لا يستهدفون الرئيس السابق ولا الرئيس الحالي، ولا الانتقام من الجيش الذي حاربهم لأكثر من 5 سنوات.
لا يبدو أن الحوثي يستهدف مؤسسات الدولة بحد ذاتها، وإن خيم أنصاره قريباً منها، كما لا يبدو أنه حتى يستهدف الحكومة التي يطالب بتغييرها، رغم الجدية التي تبدو في تحركات أنصاره وفي خطاباته. إنه يستهدف القوة الضاغطة والمتحكمة في "القرار السياسي" للبلاد؛ من ثروات وسياسات داخلية وخارجية. يدل على ذلك تدشين اعتصام مؤيديه على مرمى حجر من منزل الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر، رمز القوة الضاغطة منذ بدء النظام الجمهوري، مروراً بالوحدة وثورة فبراير، التي لم يفلح أولاده في استغلالها لتعزيز مكانتهم.
علاوة على كونها منطقة سكانية موالية له، اختار الحوثي الجراف -الحصبة، لتدشين اعتصام مؤيديه، بالقرب من معقل خصومه التاريخيين. لكن أية أهمية دلالية للحوثي في تحركاته ليست ذات أهمية عملية بالنسبة لليمنيين ووضعهم الراهن.
الأهم الآن هو: إلى أي مدى سيمضي الحوثي في التزامه لقضايا الناس على غرار إلغاء الجرعة ومناهضة الفساد الحكومي؟ هل بإمكانه إحداث تغيير في نمط السياسة المرتكزة على التحالفات وتقاسم الثروة والسلطة؟ هذا سيتطلب منه خطوات متسارعة، وربما مكلفة باتجاه العمل السياسي؛ أداءً مقنعاً لمؤيديه ومناوئيه بأن الوقت حان لتقديم حياة أفضل لهذا الشعب. أما إذا واصل طريقه باتجاه انتزاع القوة الضاغطة، وتقديم نفسه كمرادف للشعب ومصالح الوطن، فسوف ينتهي به المطاف متأملاً بحسرة، خيام مناوئيه بالقرب من منطقته الخضراء.

(صحيفة الأولى- 24 أغسطس 2014)