صورة الثورة والوطن

لطف الصراري
أخبط رأسي مراراً وأسأل بتشاؤم من ينظر إلى مشنقته: ما الذي أحبط الناس عن تصحيح مسار الثورة، وما الذي يعيق تقدمنا شبراً واحداً أبعد من "تجنيب البلاد ويلات الحرب والانقسامات". أعتقد بأن هناك خللاً في جيناتنا كبشر متطلعين للعيش بسلام.
حسنا.. سأقول للمتشائمين فقط، ما الذي يحبطنا إلى هذه الدرجة بالنسبة للثورة والوطن؛ لدينا تصورات أفلاطونية عن المدينة التي نريدها، وتطلعات جيفارية للثورة التي نريدها، ثم لدينا نموذج المدن والبلدان التي نزورها أو نراها في التلفاز والصور الفوتوغرافية. غالبية هذه البلدان أوروبية طبعاً، وتعلمون أن لدى العرب العتاة عقدة إزاء هذا النموذج، ناهيك عن مخاوفهم العالية من البدائل. ولأننا متخففون من حساسية النموذج الغربي، يعتقدون بأن بلداننا ستنفلت من سطوتهم، وأننا نريد أن نحول اليمن إلى ماخور مفتوح وبارات في كل حي، وبالتالي يتركز خوفهم في تمرد الأبناء والبنات على الآباء. هذه الخشية ليست يمنية محضة بالطبع، إذ طالما استنفر النظام الأبوي للاحتفاظ بسلطته في جميع بلدان العالم تقريباً. لكن نظامنا الأبوي حالته مستعصية أكثر، فما يزال القانون لا يعاقب الأب إذا قتل أحد أولاده.

حسنا مرة أخرى أيها المتشائمون؛ نظام في حالة كهذه، يظل باستمرار مستنفراً إزاء أي تغيير في مفاهيمه، التي هي أهم أدوات سلطته. تارة يشكك في النزاهة الأخلاقية لدعاة التغيير، وتارة يقدم بدائله المرادفة للمفاهيم ذاتها، كاستبدال حاكم بآخر عبر انقلاب أو ركوب ثورة جاهزة، ومجاراة المفاهيم الحديثة. هل يضجركم الحديث في العموميات؟ حسناً مرة ثالثة، لنأخذ مثالاً على ذلك، ما حدث لثورتين في اليمن بينهما 50 عاماً.
أجهدتنا كثيرا الصورة التي نراها للثورة والوطن، وأعتقد بأن من تعرّف على هذه الصورة قبل تمزيقها يضحك الآن بشماتة ونحن نحاول أن نركبها. هو يعرف أن الذكي سيأخذ القصاصة الممدودة إليه، ويكف عن النظر إلى بقية المزق أو التفكير بإصلاحها. كما أعتقد بأن هذا القدر من الترميز يكفي. هل تكرهون الترميز أيضاً؟ أنا أكرهه، لكنه أحد الملاذات التي يمكن اللجوء إليها عندما يتشوش الذهن بتركيب القصاصات الوطنية هذه. ربما لست متشائماً بالمعنى الحرفي، لكن التفاؤل يبدو كنكتة سمجة في بيئة متوترة وعبثية كالتي نعيش فيها.
نحن عالقون يا أصدقائي المتشائمين، ولا تصدقوا من يقول لكم بأنكم طوباويون أو تنشدون مدينة أفلاطون. نحن فقط، نريد أن يقبل المتشددون والمتنمرون والمتسلطون، حداً أدنى من الرغبة في الحياة. نريدهم أن يتحلوا بالشجاعة للتخلص من رهاب البدائل المناسبة للجمود. لكنهم مراوغون أكثر مما نتصور، وسنعود مرة أخرى.
(صحيفة الأولى 1 أكتوبر 2012)