عُصبة "حاشد"

لطف الصراري
السطوة التي لم يفقدها تحالف القوى المتحكمة بمصير اليمن منذ ثورة سبتمبر 62، تظهر، وإن بصورة زئبقية، في قدرتها على تحويل رجال الدولة إلى رجال مهمات خاصة.
العنصر القبلي هو المركز بالنسبة لقاعدة التحالفات المتجددة، ويأتي بعدها الديني، وكلاهما يقوم على توزيع الثروة والنفوذ على حساب سلطة الدولة؛ "حاشد" بكل قواها المتفقة والمتباينة، لديها جامع واحد: نحن من يحكم هذا البلد؛ ابتداءً من الرئيس السابق علي عبدالله صالح وعلي محسن صالح، وليس انتهاءً بأولاد الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر. الأهم في الأمر هو من الذي يقف في الضفة الأخرى؟
الجامع القبلي بالنسبة لحاشد يرتكز بدوره على مراعاة مصالح كل طرف ومصالح حلفائه أيضاً. لدى صالح منظومة أحلاف قبلية من خارج حاشد، ولدى علي محسن منظومة أحلاف موازية، ولدى أولاد الأحمر منظومتهم أيضاً. لديهم أيضاً تحالفاتهم السياسية والدينية (الإصلاح، الناصري، البعث...، السلفيون، الصوفية، وجماعة تديّن شعبي ومتطرف).
لكن هذه الأطراف الـ3 ليست كل ثقل القبيلة. فهناك مراكز قوى قبلية وعسكرية أخرى داخل القبيلة، وهي نفسها تعاني من انقسام واضح كان أبرز وجوهه انشقاق علي محسن وغيره من آل القاضي وأولاد الشيخ عبدالله بن حسين، عن نظام صالح، وانضمامهم لثورة فبراير. لكن أي انقسام في حاشد يلتئم بسرعة قياسية في حال كان الواقف على الضفة الأخرى يمثل خطراً على شبكة اللحمة والمصالح.
إنها شبكة معقدة للغاية من التحالفات الداخلية والخارجية بالنسبة للقبيلة التي اعتبرت نفسها منذ ثورة سبتمبر رأس حربة في انتزاع الحكم من إمام الهاشميين. لكن عامل استمرار هذه الشبكة متماسكة، يكمن في قدرتها على التأقلم مع المتغيرات المحلية والدولية، والمبادرة في تقديم تنازلات هي في الأساس مؤقتة لكسب الجولة النهائية.
من هذه التنازلات المؤقتة الحماس غير المفهوم تماماً في رفع شعار "رئيس جنوبي" كحل توافقي لأزمة حاشد بعد انشقاق أبرز أجنحتها القوية، وإعلان انضمامها إلى ثورة الشعب خلال فبراير/ مارس 2011. الثورة التي أفضت إلى تنصيب "رئيس جنوبي" عبر انتخابات سعينا جميعاً لإضفاء الجانب الديمقراطي عليها. غير أن كل ذلك لم يكن سوى ضرورة توافقية لانقسام قبيلة "حاشد".
طوال العامين الماضيين، كلما أراد هادي التصرف كرئيس فعلي، لاحت من خلف سور منزله مصالح علي محسن أو علي عبدالله صالح أو أولاد الشيخ الأحمر، وحلفاء هؤلاء مجتمعين من الأحزاب السياسية والجماعات الدينية.
آخر إجراءات هادي كرئيس فعلي كان إعلان الحرب على تنظيم القاعدة، في الوقت الذي ظل يرفض تحريك الجيش لمواجهة التوسع الحوثي في عمران. استمر في الرفض رغم الضغوط المستمرة من قيادات "الإصلاح" والسلفيين وعلي محسن. ومنذ إعلان الحرب على القاعدة، كان السؤال التالي هو الأكثر أهمية، لكن حاجة الشعب لانتصارات وطنية جعلتهم يتغاضون عنه: إلى أي مدى ستستمر هذه الحرب؟ الإجابة جاءت سريعاً مع بدء مفاوضات الجيش مع زعماء القبائل في شبوة وأبين، من أجل عدم خوض المعركة على أراضيهم. تعهد زعماء القبائل هؤلاء بإخراج مسلحي القاعدة من مناطقهم. خرج مقاتلو القاعدة بالفعل، لكن بالعدد والعتاد الكافي لشن حرب شوارع على الجيش في الصعيد وعزان، وتنفيذ هجوم خاطف على مدينة سيئون بكل مرافقها الحكومية. لم يبدُ أن الهجوم على سيئون كان هدفه الأساس السطو على البنوك، بقدر توجيه رسالة بأن لدى تنظيم "القاعدة" حلفاء لن يقبلوا بالقضاء عليه، وسيمهدون الطريق أمامه للسيطرة على العاصمة صنعاء.
بعد عملية السيطرة الرمزية على مدينة سيئون لساعات، رد الرئيس هادي على رسالة التنظيم وحلفائه بحملة مداهمات لمواقع يتواجد فيها عناصر القاعدة في قلب العاصمة، وفي أرحب القريبة منها. كان ذلك جيداً بالنسبة لحفظ ماء وجه الدولة التي لا ينبغي أن تمنح نصراً لتنظيم إرهابي، حتى مع إصرار قوى حاشد على فتح جبهة جديدة ضد الحوثي في عمران. لكن هادي، الذي لوى ذراع حاشد بورقة الحرب على الإرهاب، وجد ذراعه ملوية بجبهة الحرب الجديدة في معقل القبيلة المنكسرة.
تحدث هادي، أمس، عن أنه لا ينبغي أن ينكسر الجيش في المواجهات مع الحوثيين في عمران، لكن وحدات من قوات الأمن الخاصة والشرطة العسكرية، كانت، منذ مطلع الأسبوع الجاري، تقاتل بشكل أو بآخر، مع القشيبي والمناوئين للحوثي.
المعارك تشتد في عمران، وعصبة حاشد التأمت من جديد. هل ما زال اليمن بحاجة إلى التوافق لاستكمال "نقل السلطة"؟ ألا تلاحظون غرابة هذا المصطلح الديمقراطي في سياق حروب حاشد والحوثيين!
(صحيفة الأولى- 29 مايو 2014)