توريث الأزمات

لطف الصراري
نحن شعب اعتدنا ترحيل أزماتنا إلى مستقبل مظلم، وهو ما يعني توريث الظلام لأجيال ستحكم بالعمى. لو أن ثوريي سبتمبر 1962 تمكنوا من حلّ الأزمة جذرياً مع من تبقى من نظام الإمام أحمد حميد الدين، لما دخلت الثورة التي قام بها الجيل اللاحق ضد نظام الرئيس علي عبدالله صالح، في أزمة مستعصية على التوافق. التفكير ذاته إزاء التغيير هو من يلعب عكس خط المنطق.
نعيش في السنة الثالثة لثورة فبراير 2011، ولا نجد الوضع مختلفاً عما عرفناه عن السنوات التي أعقبت العام 1962؛ توازنات المجتمع الدولي ما زالت تلعب، مع زعماء القبائل المؤثرة، دوراً مفصلياً في استيعاب بقايا النظام السابق، ليس على أساس أن ثورة قامت ضدهم، بل على أساس أن لديهم حق الحكم والعمل السياسي في نظام ما بعد الثورة.
في مسألة الحق هذه ربما يجدر بنا أخذ الفارق بين البدر الذي فرّ إلى السعودية مطلع الستينيات بلا عودة، وصالح الذي عاد منها مطلع العقد الثاني من الألفية الثالثة، ليقول للثورة إنها لم تنجح في استئصاله، وإن لديه الإمكانية لتفجير حرب أهلية، وخلط أوراق السياسة والأمن والاقتصاد وكل جوانب الحياة العامة، وإن ما يدعونه النظام الجديد لا يستطيع إيقافه.
منذ شهور لم أسمع من يتحدث عن الثورة؛ وفي الحقيقة، لم يعد هناك ما يقال عنها، عدا مباركة أو رفض قرار رفع "بقايا" الخيام من الساحات، أو الحكم بعدم ثورية شوقي هائل لنفي صلاحيته كمحافظ لتعز. والسؤال: هل ما نعيشه الآن يرقى إلى الحد الأدنى من أحلام الثورة؟
قبل الثورة كنا نطالب بالحد الأدنى من العيش الكريم، وأكثر من ذلك بقليل، بالنسبة للحريات وتفعيل مؤسسات الدولة، وإتاحة الفرصة للحالة المدنية المقصية للمشاركة في بناء وطن يحترمنا العالم لأجله. وعندما رأينا حشود الجياع والمقهورين تتدفق إلى الشوارع، ارتفع سقف المطالب إلى "إسقاط النظام". كان بإمكان تلك الحشود وخيامهم المتكاثرة أن تسقط نظام علي عبدالله صالح، لو أنهم لم يهتفوا على مدار الساعة لكل قادم: "حيا بهم". صحيح أن الاحتمالات كانت مفتوحة لتدخل اليمن في ما دخلت فيه ليبيا وسوريا، لكننا لم نكن لنعيش طبيعة مرحلة انتقالية تضطرنا للتعاطي مع نفس الأدمغة التي هندست الانتقال من الملكية إلى الجمهورية. ثم من قال بأن الشعب اليمني تخلص من رعب احتمالات الحرب بفعل ما يسمونها "حكمة اليمنيين"؟
هذه الحكمة لا تفعل شيئاً سوى "تجنيب اليمن ويلات الحرب"، وبالتالي إبقاء شبح الحرب المدمرة مخيماً على الحاضر والمستقبل. أما بناء دولة قوية تخضع جميع القوى لمؤسساتها وقوانينها، وصنع ازدهار مستديم لسد حاجة اليمنيين ليعيشوا بكرامة ورفاهية، فهذه أمور يصعب على "الحكمة" فعلها. الحكمة لا تجيد سوى ترحيل الأزمات والفهم الخاطئ للتوافق والمصالحة، ليسهل على الجيل القادم التمسك بها كميراث لا يضاهى. ميراث يتم تسويقه من قبل "الحكماء" عبر العصور، باعتباره الحل الأبدي لكافة أشكال الصراع، بينما ينمو نسيجنا الاجتماعي في مسار لا يمت للتجانس بصلة.

17/7/2013