الاثنين، 16 مايو 2011

أجازة للعبث والتنبؤات


لطف الصراري

العبث شعور صحي جدا.. ليس فيما يتعلق بالكتابة وحسب، بل أيضاً في السياقات التي تحتمله من الحياة الواقعية، رغم أن الحديث عن العبث لا يحتمل هكذا تجزئة. لماذا نفصل بين حلم معلن وآخر غير معلن، وهل الحديث عن نخبة وعامة سيصنع فارقاً حين يكون الجميع شركاء في الفعل الثوري؟
أشعر بالعبث ولا أزدريه، أتألم لدماء الشباب وأخاف من تسريب تناقضاتي في توقيت ثوري لن يحتمله أصحاب الدم، كما لا أعرف المدى الذي سيبلغه تأثير ردة فعلهم على نفسيتي. هو توقيت حرج للغاية والتناقضات لم تعد لعبة ذهنية أو سلوكية على المستوى الشخصي وحسب. صار الأمر الآن متعلقاً بوطن ودماء تعبث بها بنادق النظام، معطية معنى بالغ الشناعة للعبث. كنت أعتقد أن من يعيشون لحظات تغيير تاريخية محظوظون، لكني الآن أعرف ضريبة ذلك. والممسوسون متواجدون في كل مكان؛ فتاكون ومتحفزون، وقد صارت لدينا الكثير من الثوابت التي يقحمونها كلما نفدت منهم الإساءات والاتهامات أو حتى الانتهاكات التي تحولك إلى ضحية مجانية. أتحدث هنا بلا أمثلة لعلمي أن مثالا واحداً فقط، سيكون بمثابة قطرة حمراء في شاطئ مكتظ بالقروش. لكني سأقرأ أمثلة كثيرة في وقت لاحق بالتأكيد.

مهما كانت المحاذير من التغيير الجذري، نستطيع تعزيز الاستعداد للقبول بالبدائل، عوضاً عن تعزيز المخاوف من أن البدائل لا تفضي سوى إلى حرب أو إلى إعادة إنتاج النظام السابق نفسه. ليست البدائل في المتناول كلما تمنيناها، لكنها ترتبط بالإرادة الجماعية التي لن تكون في حالة أفضل من الآن لترشيدها وترويضها بما يجعل الاستعداد للتغيّر حقيقيا، استعداد ملموس أكثر من العمليات الذهنية التي طالما أفضت بنا فقط، إلى ترويض الوهم في لحظات الانتشاء، وجعلت من هذا الترويض فعلاً جماعياً يعود بنا إلى مربع التصلب والمخاوف مرة أخرى.
أتحدث كمن يخاطب جمهوراً مستعداً لسماع الألغاز ومستعداً للتفكير باحتمالات حلها. هذا بالفعل مدعاة للضحك، وربما رآه البعض كالغناء في مأتم، لكن حالات التحول طالما بقيت ألغازا، بالنسبة لمن لا يشعر بها، وبالتالي، يصير الحديث عن تغيير النظام أو إسقاطه سطحياً، مقارنة مع حالة التبدل التي تهز العمق الإنساني داخل كل فرد على حدة. يرتبط الأمر هنا بالصدق، وأؤكد على الصدق الذي لا ينتهي بمجرد إشباع رغبة التغيير أو استهلاكها. إنه الاستعداد لتغيير طريقة حياة وطريقة تعامل وطريقة تفكير بلغة حية غير منفصلة عن تسمياتنا الشفاهية للأشياء والظروف وما نسميها به عندما نكتب عنها.
أؤمن أننا نعيش فترة خضّ لمفاهيم كثيرة ومعطيات سبق أن لازمتنا خلال قراءاتنا السابقة لأوضاعنا التي كانت تبدو يائسة من أي تغيير منظور، لكن الآن لدينا معطيات إضافية جديدة كفيلة بإحداث تغيير في زوايا النظر للأحداث والتطورات الثورية الجارية. فقط، لنهدأ قليلاً ونفكر كيف يمكن ضبط إيقاع الحياة العامة لجميعنا، في ضوء المتغيرات المفصلية سارية الحدوث. من العبث أن ننفق الكثير من الجهد والوقت في التنبؤ أكثر من الاستعداد للتغير. بالنسبة لي، أعطيت أجازة للتنبؤات وسأعطي أجازة للعبث أيضاً.
شكرا للزميل محمد العلائي الذي ألهمني بداية هذه المادة، التي كان يفترض أن ألصق جزءها الأول كتعليق على حائطه في الفيسبوك، وحالت دون ذلك مشكلة تقنية.