الخميس، 13 يناير 2011

باربرا وهيلاري


لطف الصراري
منذ متى اقتصر تشخيص مشكلات اليمن على حرب صعدة- القضية الجنوبية وتنظيم القاعدة؟ تتعاطى السلطات اليمنية مع هذه المشكلات باعتبارها التهديد الوحيد الذي يواجه اليمن. لنكن أكثر إنصافاً، لا تحظى القضية الجنوبية باعتراف السلطة ناهيك عن الاهتمام بها، لكنها مشكلة مؤرقة بالنسبة للسلطة حتى لو لم تقل ذلك علانية.
تتعاطى الصحافة أيضا مع هذه المشكلات وتتصدر أخبارها ومستجداتها قائمة الأهمية بالنسبة للقراء، كما هي بالنسبة للمسئولين الأمريكيين. ينسى الناس جوعهم حين يحضر تهديد الموت، وتغفل الدول عن قرقرة بطون الجياع حين تمتلك أدواته.

ما لم نتوقعه في هذه الفترة بالذات أن يأتي تشخيص آخر لمشكلات اليمن على لسان أمريكي رفيع المستوى. باربرا بودين- السفيرة الأمريكية السابقة بصنعاء، مسئولة أمريكية عُرفت بتأدية عملها على طريقتها، وها هي تظهر متحدثة برؤية لن تعجب الحكومة اليمنية، ناهيك عن حكومة بلادها. قالت بودين إن مشكلات اليمن تتلخص في: "زيادة السكان وعدم كفاية المياه وتناقص الطاقة". رؤية تبدو سوريالية بالنسبة للمنطق السياسي السائد، لكنها تعزز رصيد بودين في علاقتها الإنسانية الصادقة مع الشعب اليمني، مغلبة بذلك الإنساني على السياسي، رغم أنه طريق يخدم السياسي في نهاية المطاف.
حسب وكالة الأنباء اليمنية، فإن السيدة بودين موجودة حاليا في اليمن، ورؤيتها أعلاه جاءت في سياق محاضرة بمركز سبأ للدراسات الإستراتيجية. لم تكن آراء بودين تروق لكثير من السياسيين الأمريكيين منذ أن كانت سفيرة في اليمن، وبالذات فيما يخص علاقة الولايات المتحدة بهذا البلد، ولا اعتقد أننا سننسى اعتراضها الجاد على الوجود المكثف لعملاء مكتب التحقيقات الفيدرالي في اليمن عقب تفجير المدمر الأمريكية "كول" في العام 2000. لقد اعترضت كذلك على رغبة مكتب التحقيقات في تسليح عملائه المكلفين بالتحقيق بهذا الشأن، ومنعت جون أونيل- رئيس فريق التحقيق من العودة إلى اليمن.
في السياق ذاته، تنتظر اليمن وصول هيلاري كلينتون- وزير الخارجية الأمريكية. هيلاري وباربرا شخصيتان مميزتان في تاريخ السياسة الخارجية للولايات المتحدة، مع فارق سنوات خدمة باربرا وخبرتها الطويلة باليمن وبأكثر من بلد شرق أوسطي. قبل أشهر قالت كلينتون إنها لن تتولى منصباً آخر في حكومة بلادها غير وزارة الخارجية، دون أن تتضمن تصريحاتها أسبابا لذلك. لكن دعونا نستعرض في أذهاننا كم من مسئولي السياسة الخارجية للولايات المتحدة أبدوا تذمرهم من مناصبهم؛ سأذكر اسم كولن باول فقط.
لا تزال باربرا تحذر بلادها من أي تدخل عسكري في اليمن، فيما تبدو هيلاري أقل تعارضا منها مع السياسة الخارجية لبلادها، وكلاهما معروفتان بنزعة منطق إنساني يحافظ على وجوده بالحد الأدنى أمام الواجبات السياسية. فهل يمكن لامرأتين أن تغيرا طريقة تعاطي بلادهما مع الشأن اليمني؟ ثمة الكثير مما يقطع الأفكار، لكن لنستمر في التفكير.