الاثنين، 11 أكتوبر 2010

من أطوار تخلّق العنف في الجنوب


*لطف الصراري
كان الجنوب المحتقن، ومشكلته تعرف بـ"القضية الجنوبية"، ثم مرّ بأطوار تخلّق تكفلت بتحويله إلى جنوب مشتعل. 3 سنوات كانت زمناً كافياً لهذا التحول، لكنها لم تكف لإقناع السلطة بأن ترك "القضية الجنوبية" في خانة اللاإعتراف والاستخدام المفرط للقوة في قمع المحتجين هو ما أوصل الوضع إلى اشتعال المحافظات الجنوبية بالتفجيرات وأعمال العنف التي تمادت من قتل المواطنين بالهوية إلى اغتيالات المسئولين الأمنيين والعسكريين.
بعد قرى الضالع التي قصفت في مايو الماضي إثر استهداف موكب وزير الإدارة المحلية- رشاد العليمي، وقصف حوطة شبوة بمبرر وجود مطلوبين من تنظيم القاعدة، دارت معارك عنيفة بين مسلحين وقوات عسكرية وأمنية في مديرية مودية بأبين مساء الخميس الماضي، ومجدداً استخدمت القوات المدفعية لقصف منطقة مأهولة بالمدنيين.
   روايات أحداث الخميس تنبئ بأن طوراً آخر من أطوار تخلّق العنف يمضي بالتآزر مع طوري قصف الضالع وحوطة شبوة لتكملة مشهد جديد سيؤدي دوره ضمن المسامير المدقوقة في جسد القضية الجنوبية. المصادر الأمنية روت أنها تحاصر شخصاً يدعى أحمد العنبري الذي تصفه بأحد عناصر القاعدة وتشتبه بتورّطه في اغتيال مدير أمن مديرية مودية، شهود العيان يفيدون أن قوات الأمن والجيش قصفت المدينة بعد "معارك عنيفة" مع مسلحين على مشارفها، وتأتي رواية قيادي في حراك مودية (صحيفة القبس الكويتية) لتكمل تصورا يمكن كتابته كسيناريو لخميس مودية:
خرج عبدالله البحام- مدير أمن مودية صباحاً على رأس فرقته الأمنية كعادته حين تقام فعاليات "الحراك" في منطقته، لمنع المتظاهرين من التجمع ورفع أعلام الجنوب وإلقاء الكلمات الحماسية. ولأن تظاهرة الخميس تزامنت تزامنت باليوم مع الذكرى الـ(47) لثورة 14 أكتوبر، خرج معبأً بالمخاوف من الحماس الذي سيلهبه هذا التزامن، وفي توقيت تتركز أنظار الإقليم الخليجي على أبين كمستضيفة لخليجي 20. حاول البحام وجنوده منع التظاهرة بعنف موازي لحماس المتظاهرين، ما اضطره إلى إطلاق النار عليهم. وفي الأثناء يظهر مسلحان على متن دراجة نارية ويرديانه قتيلاً، ثم يتمكنان من الفرار بالمهارة الأسطورية التي اكتسبتها الدراجات النارية المستخدمة مؤخراً في اغتيالات متفرقة.
   إثر مقتل البحام تحرّك محافظ أبين بنفسه إلى الموقع، لكن كمينا مسلّحاً صبّ عليه وابلاً من الرصاص عند مدخل المدينة ما أدى إلى مقتل شقيقه وأحد مرافقيه. محاولة اغتيال المحافظ ليست هينة بالطبع، وبالتالي فإن الأمر يتطلب تحريك الجيش لمؤازرة الأمن وقصف المدينة التي تؤوي "عناصر القاعدة".
سأنهي هذا السيناريو قبل أن أعرف حصيلة ضحايا القصف أو ما خلّفه من دمار، وإن كانت الروايات السمجة للأحداث ستظل هي المصدر الرئيس، إن لم يكن الوحيد، لنقل الوضع كما هو عليه. ولم تعد الصحف التي كانت تغطي احتجاجات الجنوب قادرة على مواصلة دورها المهني إزاء قضية ذات مطالب عادلة وسلمية، لأنها معرّضة لقمع أبشع من قمع المحتجين، ناهيك عن اختلاط التظاهرات بأحداث عنف واغتيالات يتبناها تنظيم القاعدة على الدوام.
  لا شيء في الأفق يلوّح ببادرة أمل تعيد التعاطف مع القضية الجنوبية، لأن تفخيخاً على شاكلة "فك الارتباط" قد نال منها، وحالة العدائية المفرطة تجاه الجغرافيا الشمالية كجزء لا يتجزّأ من النظام السياسي أربكت موقف الكثيرين من صحفيي ومثقفي (الشمال) إزاء تحوّل القضية إلى المطالبة بدولة منفصلة. ماذا يجدي بقاء صوت الخبجي في تأكيد سلمية "الحراك"؟ إنه وضع مربك سيما حين تمضي بنا الأحداث إلى أطوار جديدة من العنف والعنف المفرط وتخليق المبرّرات الملتبسة للوقوف في صف وطن ينهار أو مساندة نصف وطن تتربص به كمائن القاعدة ومدفعية الجيش.