الأحد، 24 أبريل 2011

لا يستحقون الشرفاء



لأنه أصغى لمطالب إيقاف الدراسة التي يرفعها طلابه منذ أكثر من أسبوع، اقتحموا مكتبه وعاملوه بطريقة حاطة للكرامة، ثم اقتادوه بالطريقة ذاتها إلى القصر الجمهوري.
 هذه الطريقة لم يفعلها ضباط الجيش المصري مع مبارك أو أحد رموز نظامه المتورطين بالفساد وقتل المتظاهرين، لكن ضباط وجنود الحرس الجمهوري فعلوها مع الدكتور محمد عبدالله الصوفي رئيس جامعة تعز- هو الذي أثبتت سنوات توليه لمنصب رئيس الجامعة أنه مثال للنزاهة والإخلاص لمنصبه.
حسب مصادر موثوقة، مرّ أحد البلاطجة بين محتجين كانوا أمام بوابة رئاسة الجامعة على بعد أمتار من القصر الجمهوري، وأطلق النار ولاذ بالفرار. بعدها قال شهود العيان إن بنادق جنود الحرس لم تتوقف وكذلك الرشاشات المتوسطة، حتى فرقوا التظاهرة، غير أن من تبقى بالقرب من البوابة، كانوا من أعضاء فرع المؤتمر الشعبي بجامعة تعز، طلاباً وموظفين. توجه هؤلاء إلى الضابط المسئول عن تفريق المظاهرة، وأخبروه أن رئيس الجامعة منعهم من الدخول للدراسة، وعلى الفور اقتحم الضباط والجنود بوابة الجامعة ثم اقتحموا مكتب رئيس الجامعة واعتدوا عليه بدل القبض على مطلق الرصاص.

هذه هي الرواية الميدانية لما حدث، غير أني أجد صعوبة في تصديق أن الجنود ارتكبوا تلك الجريمة، فقط لأن أعضاء المؤتمر شكوا إليهم بتلك الشكوى السخيفة. لقد تم الأمر بموجب توجيهات ولا شك، خاصة أن الدكتور الصوفي سبق أن استجاب لمطالب إيقاف الدراسة بتعليقها إلى حين انعقاد مجلس الجامعة لاتخاذ القرار المناسب حسب ما يراه جميع أعضاء المجلس. كما أنه سبق أن رفض الاستعانة بالأمن لقمع الطلاب الذين يتظاهرون طوال أكثر من أسبوع داخل الحرم الجامعي. لم يسمح بقمع أبنائه الطلاب، وحفاظاً على سلامتهم جميعاً أمر بإغلاق بوابات الجامعة تفادياً لأية اشتباكات بينهم. ذلك، ما أوجب السخط عليه.
 أشعر بالخجل وأنا أصف ما جرى للدكتور محمد عبدالله الصوفي؛ أعتذر من وقارك يا دكتور محمد. من يعرف هذا الرجل، سيشعر بألم بالغ لما تعرض له. رجل مدني ومسالم ونزيه، وإلى ذلك كله، هو عقلاني ومتزن ويدير جامعة أشبه بمستعمرة ثعابين.
  كان يرأس اجتماع مجلس الجامعة، وفجأة دخل الحرس، وأمسكوه من كتفيه، لينتزعوه من الكرسي دون إبداء الأسباب. لا أحد يتجرأ على فعل ذلك مع رئيس جامعة، إلا إذا كان ينفذ توجيهات مشبعة بالسخط.  سقطت هواتف الدكتور وهم يجرونه بطريقة همجية، فأخذها مدير مكتبه- عبدالوهاب العامري، ولحقه بها. عبدالوهاب حصل على نصيب وافر من الاعتداء أيضاً، عندما حاول التحدث إلى الضابط المسئول والجنود؛ دفعوه بشدة ليستقر أسفل ما يقارب 5 درج حتى كسرت قدمه.
  لا أتصور أن رئيس جامعة، أياً كانت مآخذه السياسية، يستحق أن يعامل بتلك الطريقة، ناهيك عن كونه شخصية وقورة ومتزنة ولها رصيد كبير من النزاهة كالدكتور الصوفي، وإلى ذلك، رصيده في خدمة المؤتمر الشعبي كرئيس لفرعه بالجامعة.
لا بد أن منفذي المهمة تلقوا توجيهات بإيصال الدكتور الصوفي إلى القصر الجمهوري المجاور؛ لكنه عاد مع قائد المهمة ومدير القصر حسين الشامي. أعادوه إلى مكتبه مع اعتذار لم ينفع في محو إهانة لم يتعرض لها طوال حياته، أو حتى التخفيف من ألمها.
عاد الدكتور محمد إلى منزله، تاركاً سيل الاعتذارات جانباً، استقلّ سيارته وعاد إلى بيته، في حين لا توجد أية مؤشرات لإعادة اعتباره كرجل محترم وشريف، وإعادة الاعتبار لقدسية الحرم الجامعي. يا للمهزلة.. ماذا نتوقع من نظام لا يقيم وزناً للشرف والنزاهة. إنه لا يستحق رجاله الشرفاء.