السبت، 4 ديسمبر 2010

دفء معلب


لطف الصراري
  تتأمل عيني امرأة لا تكف عن تأمل ملامح وجهك والعثور على ما يكفيها من الدفء. تتأمل تفاصيلها ولا تعثر على ما يقنعك بكونه دفء. يدفعك هذا بلا شعور إلى استرجاع ما عثرتْ عليه أو إفساده، وبطريقة ما تتواصل مع هذا الدافع المبرر بعدم القصدية لتجعله في مساحة إدراك مدانة كي تمهد لانسحاب هادئ من جلسة تأمل بحثا عن دفء في وجه امرأة. تنسحب لأن ما تريده منها يصعب عليها إدراكه ناهيك عن منحك إياه، وإذا حدث وأدركته تبقى متمنعة عن منحه إلا بمقايضة فورية. يحضرك في الحال نماذج من دائنين لم يهتموا بوضعك غير القادر على السداد في المدة المحددة، وبالتالي، يصير تأملك الباحث عن الدفء يوغل في وجه دائن وليس وجه حبيبة.
تحاول البحث في وجه امرأة أخرى، لكن الوضع لا يختلف سوى بالمدة القصيرة التي يمنحها لك بقّال تعتبره طيّبا لفتح حساب ينبغي سداده نهاية كل أسبوع. امرأة أخرى؛ حساب جديد وسداد مهما وفيت به، تظل مدينا بالمبادرة التي لا تعتبرها أنت كذلك ولا تطالب بها أحد. تتأمل المرأة ذاتها أو غيرها، وبالتدريج تقتنع بجدوى تسطيح فكرة البحث عن الدفء، وضرورة الانسحاب، وتالياً الإقلاع، عن جلسات التأمل الرومانسية التي تفصح عن توسل يؤخذ عليك كصاحب فاقة. ونتيجة لشحة مواردك العاطفية، تتعود على البقاء لفترات طويلة لا تفكر باحتياجك للدفء الذي تريده، وإنما بابتكار سياقات مقنعة لتداول الجنس كعملة عاطفية تقبل بها المرأة حتى في حالة الادعاء أنها غير ضرورية.

الادعاء أن الجنس غير ضروري يشبه نظيره المتعلق بالمال، لكن ما تلمسه في حالة اختبار أكثر من طريقة تعامُل للاحتفاظ بعلاقة ناجحة مع امرأة، يعري هكذا ادعاء ويلهمك المقاربة بين المال كمكافأة للعمل والجنس كمكافأة للحب، والمال، في استنتاج مطول للعلاقات، كمحور توازن ببعد ثالث لاستمرار علاقة نبيلة بين رجل وامرأة تقوم على تبادل الحب والجنس.
تعتاد البقاء طويلا تحتكم لشروط علاقة نبيلة، ليس من بينها شرط الحصول على الدفء. وخلال ذلك، تتلقى عروضاً لقبوله في علاقات أخرى بدون شروط، لكنك صرت مقتنعاً بأن الشرط وليس الدفء هو من يتخفى وراء "توقيت مناسب" يكشف لك عن فخاخ كانت فقط، تستجلب استرخاءك. هذا ما يفعله النبل الذي يبقيك عالقاً به ويفاقم احتياجك لدفء طالما اعتقدت انك منحته بلا مقابل، وأنك لا تستطيع منحه/ تلقّيه بطريقة المقايضة.
فعلياً، عدم الاشتراط هو شرط يراه طرف العلاقة الآخر فخ، ليس فقط يستجلب استرخاءه، بل يحيطه بغموض مربك ومنفّر لأنه لم يعتد تلقّي الدفء بدون مقابل، كما لم يعتد على معرفة نماذج لعلاقة مماثلة. تحاول إزالة النفور، لكنك تبدو في نهاية الأمر وفي أفضل الاحتمالات، غريب الأطوار كوصف مخفف للجنون. تستمر في المحاولة بلا فائدة، ولأنك ترفض الاستسلام لمفاهيم جاهزة للحب، تستمر في البحث عن صيغة تخفف معنى الاستسلام، وتحرر الحب من القوالب الجاهزة مع إصرار على أن الدفء ليس مادة مناسبة للمقايضة. 
مسترسلاً في إيجاد صيغة المواءمة، تكتشف أنك تروج لقيمة لا تختلف عن الاستغلال، الابتزاز والنُّبل الموجّه لأغراض استحواذية، أو النبل فقط. إدراك كهذا يضائل احتياجك للدفء وينبهك إلى اكتفائك من تكرار سماع مقطوعة موسيقية بآلة العود قدرت، أن سماعها سيساعدك على التأمل والشعور بالدفء بمعزل عن وجه حبيبة. وباكتفاء جزئي من دفء كان ينبغي أن تحصل عليه أولاً من داخلك، يحركك دافع لا شعوري للبحث عن امرأة تمنحها لحظات دافئة مشروطة، ولكن بطريقة ضمنية جدا، بإبقائك في حالة منح مستمر. وسواءً وجدت امرأة أو هاتف برصيد كاف للتحدث معها، تفكر،قبل ذلك، بتأكيد استعدادك لجلسة رومانسية غير مثقلة بقيم إنسانية، معلنة أو مضمنة بقصدية فجة، في السياق الحميمي للعلاقة. تقدر أنك بحاجة للمزيد من الوقت للتأكد، ليس فقط من استعدادك؛ أيضاً من كونها في مزاج مناسب لتلقي الدفء دون إفساد الاستمتاع به بالتعبير عن الامتنان أو بتكلف المبادلة كاستحقاق لدفئك الذي تمنحه.
في الوقت الذي تشعر بالدفء يتوالد في أعماقك ويمنحك مزاجاً مرحاً، يتزايد احتياجك لامرأة مستعدة بدفء متولد من داخلها، أو على الأقل، بمزاج يقبل، عن طيب خاطر، مزاجك المرح الذي وإن كان لا يدوم طويلاً، إلا أن قابليته للاستمرار ليست صعبة. احتياج متزايد لدرجة الشعور بأكثر من عكسه: الاستغناء عن امرأة، لأنك لم تجدها منذ أول علاقة مراهقة، صرت تقلص إمكانية وجودها باستحالة قدرتها على إدارة رغباتك بطبيعة الأنثى مصدر الحياة. 
ستشعر بالبرد وتدعي عدم تأثرك به، لكن، ذات مساء وأنت تجلس على كرسي بلاستيكي في ساحل (أبين)، بنظرات فارغة متراصة كصور في عدسة سينمائية، تنفقها في وجه البحر، لن تستطيع إنكار كونك هناك للبحث عن دفء. لكن البحر، بقدر ما يمنحه، يبقيك فارغاً كقارورة بغطاء محكم تتقاذفها موجات الشاطئ ويركلها العشاق لكي يحافظوا على توازنهم. سيكون عليك نزع الغطاء أو (المظلة) قبل البحث عن أي شيء في البحر أو في امرأة تستطيع أن تكون برفقتها بعد ساعتين.