لا تزال أميركا وبريطانيا تعلنان عدم نيتهما التدخل العسكري في اليمن لمحاربة إرهاب تنظيم القاعدة. مشكلة اليمن بالنسبة لهما تكمن في عدم الاستقرار الأمني الذي يسببه متمردون محليون (الحوثيين) وخطر انفصال وحدة اليمن بفعل تفاقم القضية الجنوبية إلى مطالب فك الارتباط. هذا ما جعل الفساد وهشاشة بنية الدولية المؤسسية، بالنسبة للدولتين الأكثر حرصاً على مكافحة الإرهاب، خصماً ينمو بالتوازي مع تنامي قدرات تنظيم القاعدة في اليمن. مارتن دي المتحدث الإقليمي باسم الحكومة البريطانية، قال في معرض حديثه عن إمكانية تولي الحكومة الأفغانية لوضع بلدها الأمني بعد (5) سنوات، إن هناك «إستراتيجية طويلة الأمد» لدعم اليمن ومساعدتها في محاربة الإرهاب بموجب اتفاقيات سابقة. هيلاري كلينتون، عقب مؤتمر لندن، أملت أن تتوقف الحرب في صعدة وشجعت صنعاء على انفتاح أكثر للحوار مع مكونات المجتمع المدني لأن «التحديات المجتمعة التي تهدد اليمن هائلة»، واعتبرت أن إحراز مستقبل أفضل للشعب اليمني يعتمد على جهود التنمية.
وفي أول زيارة لمسئول بريطاني إلى صنعاء بعد مؤتمر لندن، شدّد إيفان لويس- وزير الدولة للشئون الخارجية على أن «أفضل وسيلة للحصول على الأمن والاستقرار هي إعطاء شعب هذا البلد شعورا بالأمل في المستقبل». زيارة لويس حملت قلقاً دولياً بشأن ما ستؤول إليه المنَح المالية المقدمة لليمن لمحاربة الإرهاب عبر الإصلاحات الاقتصادية التي ينبغي أن تمنح اليمنيين حياة أفضل، كون المساعدات الخاصة بمحاربة «القاعدة» ستُمنح بشكل آخر من الدعم العسكري المباشر للقوات اليمنية. وحث المسئول البريطاني مجموعة «أصدقاء اليمن»، التي أُعلن عنها بشكل رسمي، أن تقدّم الدعم المالي لليمن بدل الوعود.. يفترض أن تلتقي الجهات المانحة في الرياض أواخر شهر فبراير الجاري، قبل اجتماع «أصدقاء اليمن» في الشهر الذي يليه (مارس) في «إحدى دول المنطقة» لم تحدّد بعد. وفي الأثناء يقترح قائد القيادة الوسطى الأميركية- ديفيد بترايوس «مضاعفة المساعدات العسكرية لليمن لتصل إلى (150) مليون دولار»، فيما قال نائب وزيرة الخارجية الأميركية إن دعم اليمن من الوكالة الدولية للتنمية «سيزيد من سبعين مليوناً إلى مائة مليون دولار سنوياً».
المزيد من الدعم لليمن خلال 4 سنوات منذ (الجزء الأول) من مؤتمر لندن، مع فارق أن الـ(5مليارات دولار) في 2006 كانت مشروطة بحرية الصحافة وإصلاحات سياسية لتعزيز «الديمقراطية»، ويرافق ذلك إصلاحات تنموية. كانت يد السلطة حينها خفيفة الغلظة، نوعاً ما، على الصحافيين مقارنة بالوضع الحالي، لكن فرار عناصر القاعدة من سجن الأمن السياسي بصنعاء في تلك الفترة، شكّل مصدراً أكثر إدراراً للدعم المالي للحكومة التي وصف إيفان لويس أداءها بـ»الهش» وتوقع وصولها إلى مرحلة الفشل الكلّي مبكراً في حال لم تتخذ إجراءات جادة على صعيد الإصلاح السياسي والاقتصادي و«الشئون الاجتماعية». لا يحتاج المراقبون المحليون لتنبؤات لويس، لكن السلطة مرتبكة إلى حدّ كبير في تعاملها مع الخطر، خاصة بعد تفويتها الكثير من الفرص الممنوحة لها لإجراء إصلاحات جادة.
التقرير الحكومي أورد ثلاث جهات أنفق فيها دعم 2006 هي وزارة التربية والتعليم، التعليم العالي والبحث العلمي، والتعليم الفني، فيما اقتصر ذكر الجانب الأمني على جهود الأجهزة الأمنية في «توطيد الاستقرار والسكينة العامة والتصدي للجريمة بمستوياتها». وتمثل أغلب الإنفاق الحكومي في مشاريع إنشائية وتجهيزات، وهي أوجه الإنفاق التي تأتي على رأس منافذ تغلغل الفساد حسب التقارير الرقابية. ثلاث جهات لاستيعاب تمويل مقداره مليارات بالعملة الأقوى عالمياً لا يطمئن الجهات المانحة، سيما في ظل تزايد معدل الفقر وتكرار الجرع السعرية على المواد الاستهلاكية.
تهاطل أموال المساعدات على اليمن ألهى الحكومة عن متابعة تنفيذ «البرنامج الانتخابي لفخامة الأخ رئيس الجمهورية»، وصارت هذه العبارة قليلة التداول على لسان المسئولين الحكوميين، وبدلا عنهم تحدّث مسئولو الحكومتين البريطانية والأميركية عن «مستقبل أفضل» لليمنيين، بالترادف مع شعار الحملة الانتخابية لصالح في انتخابات الرئاسة عام 2006 «يمن جديد.. مستقبل أفضل». وجد الرئيس الآن من يتبنى شعاره الانتخابي من دول كبرى لا ترتكز علاقته بها على الثقة بقدر الحذر والريبة المتبادلة بينهم من عدم وفائه بالتزامه بالإصلاحات المتفق عليها من جانبه، واحتمال أن يتضمن الاهتمام الأميركي والأوروبي نوايا بالتدخل الجوهري في شئون النظام السياسي لليمن. وضع كهذا سيعرقل اندفاع القوى السياسية المعارضة لحكم صالح بدعوى «الخطر المحدق» باليمن من جميع الجهات، ما يستلزم تخفيف ضغط المعارضة على السلطة في هذا الظرف الحرج، والنهوض بمهام تهدئة الحوثيين ومطالب الانفصال كي تتفرغ لمحاربة «القاعدة»، مع أن الحاصل منذ دقّ ناقوس الخطر لا يدلّ على نية السلطة اتخاذ خطوات مصالحة وطنية مع خصومها السياسيين بما يزيل توتّر نتائج جولات الحوار السابقة التي انتهجت فيها طريقة المناورة لا أكثر.
لم يكن (الجزء الثاني) من مؤتمر لندن متاحاً لتعهدات الحكومة اليمنية بالإصلاحات الكفيلة بمعالجة مشاكلها الداخلية، فهي ملزمة بها حتى لو لم تقدم تصوراً مسبقاً لأوجه إنفاق الدعم الإنمائي، لكن الحكومة لم تصدر بياناً تفصيلياً لتصور تنموي بما يجعلها في وضع العارف بالمشكلة الفعلية لتردي وضع البلاد بشكل مطّرد، والسبب في ذلك أن أعضاء الحكومة والهيئات الأخرى لا يعملون بانسجام نظراً لتفاوت فهمهم لطريقة رئيس الجمهورية في تسيير شئون البلاد وما يريدهم أن يفعلوا لأجل ذلك. رغم أن المستقبل الأفضل لليمنيين لا ينبغي أن يتحقق باشتراطات خارجية وتعهدات رسمية، ومع ذلك، يتمنى كل يمني أن يشعر بالأمل إزاء المستقبل.